الصبر سيد الأخلاق
عرض الشيخ سلمان العودة لأهمية الصبر في تحمل مصاعب الحياة، وفي جولة مع المعاني الجميلة للصبر، فقال: إن الصبر ورَدَ في القرآن الكريم في أكثر من 90 موضعًا ، وبتصنيفات كثيرة جدا، واصفًا الصبر بأنه "سيد الأخلاق"؛ وأن القول بأن "الحلم سيد الأخلاق" صحيح ، ولكن الأصح منه أن الصبر هو سيد الأخلاق، لأن الحلم هو فرع من فروع الصبر، فالصبر في المعركة هو الشجاعة، وفي مواجهة شُحِّ النَّفْسِ هو الكرم، وإن كان في مواجهة الغضب فهو الحِلْمُ، ولذلك تجد الصبر ينبوعًا تَتَفَرَّعُ منه مياه كثيرة، وسواقي أكثر.
وعَدَّدَ فضيلته فضائل الصبر، وقال: إن الصبر ضروريٌّ للحياة الزوجية، كما أنه ضروري للعبادة {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}" وضروريٌّ أيضاً للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، كاشفًا عن درجة أعلى من الصبر، ألا وهي "المصابرة"، وقال عنها إنها: دَرَجَةٌ أعلى من الصبر، فالإنسان يصبر، ثم يستشعر نفاد الصبر، وهذه مشكلة كبيرة؛ لأن الصبر ضروري.
وفَسَّرَ فضيلة الشيخ هذه الآية بقوله: إن المرابطة شَيْءٌ فوق الصبر، تتطلب جرعةً قويةً من الصبر، مُشِيرًا إلى أن الآية تَطْلُبُ منا الصبر ابتداء، وليس لوجود حدث معين، ولكنه قال: بالطَّبْعِ إذا كان الصبر متعلقًا بحدث فهذا يتطلب صبرًا أكثر؛ لأن من قيم الصبر أنه يعطينا قَدْرًا كبيرًا من السُّمُوّ الروحي، بَيْنَمَا تجد الإنسان الذي فقد الصبر جازعًا، فإذا ما وقع الحدث تجد سؤاله: لماذا أنا بالذات؟! وهذا سؤال المحتج الذي لم يصبر.
وطالَبَ فضيلة الشيخ الإنسانَ بأن يسمو في روحه، ويتدرب في مدرسة الصبر، مُؤَكِّدًا أن الصبر ليس مرهونًا فقط بوجود حدث معين، ولكنه ضروريٌّ للحياة ، حتى مع النفس، فالعاصي يحتاج إلى صبر؛ لأنه يتوب ويعود، ويتوب ويعود.. فليس الصبر قاصرًا على الأشياء التي نريد أن نفعلها، وإنما يَشْمَلُ أيضًا الأشياء التي لم نتمكن من تحقيقها، أو الأشياء التي نُحَصِّلُها.
وأضاف فضيلته أنّ من تجارب الحياة أن الإنسان إذا حصل على شيء دون بذل جهد، كأن يحصل على سيارة أو كمبيوتر، فإن هذه الأشياء تفقد قِيمَتَها، وتصبح الحياة نفسها غير ذات قيمة، مشيرًا إلى أن هذا هو الواقع في الأُسَرِ التي تعاني من الثراء، ولِكُلِّ شيءٍ آفَةٌ.
الحياة مدرسة الصبر
وأضاف الشيخ سلمان العودة إن المعاني الجميلة التي يحملها مفهوم الصبر هي أن الإنسان الذي يكون بطبيعته صبورًا، تجده صبورا في الإقدام، وفي الإحجام، وفي الطاعة، وعن المعصية، وعلى ما يكون من قضاء الله وتقديره، مؤكدًا أن الدين هو الذي يُلْهِمُ الصبر، والحياة هي التجربة ا لتي تعلمنا الصبر.. واستشهد فضيلته بكتاب للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، عنوانه "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، وقال: إنه كتاب جميل يحمل الكثير من المعاني التي تُلْهِمُ الإنسان المتدين كيف يصبر، وتعلمه بأن الصبر مرضاة لله، وأن الله مع الصابرين، وأنه من أهم أسباب دخول الجنة؛ لأن الناس في الجنة على منازل صبرهم.
واعتبر فضيلته نجاح الإنسان في الحياة ثمرةً لشجرة اسمها الصبر، عارضًا كتابًا اسمه "قوة الصبر" للكاتبة الإسترالية إم جيه رايان ، قالت فيه: إن أحد الدلالات على الصبر، هو امتلاك النفس، وقدرة الإنسان على السيطرة على نفسه، مُؤَكِّدًا أن ذلك يتفق مع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: "ليس الشَّدِيدُ بالصُّرَعَة، وإنما الشَّدِيدُ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عند الغضب".
الصبر ليس استسلامًا
وحذّر فضيلة الشيخ أن يكون معنى الصبر عند البعض هو الاستسلام، قائلًا: هناك من يأخذ الصبر على أنه استسلام وقعود، فالصبور الذي يشعر أنه منهزم، ليس صابرًا، وإنما هو إنسان مستسلم، وليس أمامه خيارات أخرى، وهذا نَوْعٌ من الانهيار..
وأما إن كان لا يزال لديه بَقِيَّةٌ من إيمان بالله عز وجل، فتحمل، وتجلد عند المصيبة، وعلم أنها من أقدار الله، فهذا بلا شك نسيمه "صبرًا"، مُشَدِّدًا على أن الناس لو كانوا أكثرَ صبرًا، بالتأكيد لكانوا أكثر نجاحًا وقُدْرَةً على تحقيق الأهداف، وأكثر سعادة أيضًا.
الصبر والدُّعَاءُ
وأشار الشيخ سلمان حفظه الله إلى ما يعين على الصبر ، وتحويله إلى قوة فاعلة، وطاقة محركة، قائلًا: لابد للإنسان أن يُحْسِنَ الظن بالله، ويتعود على أن يكون صبورًا، وخير ما يُعِينُ هنا هو الدعاء، والله عز وجل يقول:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، ويقول أيضا: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}، لذلك كان حسن الظن بالله معينًا على الصبر، وأرشد الشيخ المسلمين إلى كثرة التسبيح؛ لأن التسبيح يزيد الإنسان صبرًا على البلاء.
وأكد فضيلته أن الغضب والتوتر النفسي يُؤَثِّران على الإنسان، حتى إن العلماء قالوا: إن الإنسان الغضوب عُرْضَةٌ للإصابة بالسرطان بنسبة واحد ونصف عن الإنسان العادي، وعُرْضَةٌ للإصابة بأمراض القلب بنسبة أربعة أضعاف.. مشيرًا إلى أن من يريد أن يعيش مستمتعًا بعمره فعليه أن يتَعَلَّمَ التصبر.
الانتحار في العالم العربي
أن نسبة الانتحار في المنطقة العربية أربعة أفراد لكل 100 ألف، بعد أن كانت اثنين فقط قبل ستة عشر عاما، أي أن النسبة تضاعفت.
الانتحار وأشجار الأمل
ويعلق فضيلة الدكتور سلمان على التقرير قائلًا: إن زيادة نِسَبِ الانتحار تُعَدُّ ظاهرةً عالميَّةً دون شك، لكنها مُسْتَغْرَبَةٌ في الأجواء الإسلامية، بسبب موقف الإسلام الصارم في موضوع الانتحار، مُسْتَشْهِدًا بقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا}، وأيضًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قتل نفسه بحديدةٍ، فحديدته في يده يتوجَّأُ بها في نار جهنم، ومَنْ قتل نفسه بِسَمٍّ، فَسَمُّهُ في يده يتحَسَّاهُ في نار جهنم"، وفي الحديث القدسي- وهو في صحيح البخاري أيضاً-: "عبدي بادَرَنِي بنفسه، حَرَّمْتُ عليه الجَنَّة".
وأوضح فضيلته بأن الانتحار ليس كفرًا، وإنما هو معصية، وذنب كالقتل إن لم يكن أعظم، موضحًا: أنّ الْمُنْتَحِرَ ليس كافرًا ما دام عنده أصل الإيمان، ولكنه مُرْتَكِبٌ لجريمة نكراء عظمى، طالما أنه انتحر بطوعه واختياره، والذي يبدو لي أن الانتحار مرتبطٌ بحالات اليأس، وشعور الإنسان بأن الآفاق مسدودة، ولذلك يفتح الصبر للإنسان آفَاقًا، ويجعله مدركا أن الحياة لم تنتهِ بعد، وأنّ القادم أفضل، فكلما استطعنا أن نغرس أشجارَ الأمل في نفوس الناس، ونزيل عنهم حالات الإحباط واليأس والقنوط، كان ذلك أَفْضَل.
وأعرب فضيلة الشيخ عن اعتقاده بأن من زيادة أسباب الانتحار هي القهر، وقال: إن أغلب المنتحرين يكونون من الذين يعيشون في جو خانق مقهور، مشيرًا إلى أن دوافع الانتحار عند البنت أكثرُ، بسبب حالة القهر داخل الأسرة، فليست كل البيوت مثالية وجميلة، بل توجد أحيانا صُوَرٌ قاتمة جِدًّا، كحالات التحرش والاعتداء ، أو أن يكون والدها مدمن مخدرات.
إلا أنّه عاد وأكّد أن هناك حالات كثيرة تكون المرأة أصبر من الرجل، فأن تحمل المرأة طِفْلًا تسعة أشهر في بطنها، فهذا صبر حديدي لا يطيقه الرجال، وأيضا صبرها على مولودها، وعلى سهره، وإزعاجه، وعلى خدمته، بينما يبدل الرجل غرفته لو حصل إزعاج من طفل، وكُلُّ ذلك يجعل المرأة دائمًا أَصْبَرَ من الرجل الذي يتميز عليها في الأمور التي تتعلق به كرجل.
وأكد فضيلته على أهمية أن يكون الإنسان مالكًا إرادة التغيير، وآلة التغيير، وعنده رؤية واضحة جدًّا بأن الوضع الذي هو فيه غَيْرُ مناسب، وضرب مثالًا بامرأة تعيش مع رجل يُذِلُّها ويسيء إليها، وهي في سعة من أمرها، فهنا ليس مطلوبًا منها بالضرورة الصبر، وأكد أن مثل هذه المرأة من الممكن لها أن تخلع هذا الرجل، وتُغَيِّرَ نمط حياتها، مشيرًا إلى أن هذا العمل يتطلب صبراً؛ لأن الأمر لن يكون قرارًا يتخذه الإنسان وينتهي كل شيء، فهناك حاجَةٌ إلى الصبر في مواجهة هذه القضية.
وأوضح فضيلته أن من الظلم أن أقول للمرأة: لا تصبري، خاصةً أن القرآن الكريم ذكر في أكثر من موضع {واصْبِرْ}، مُشِيرًا إلى أن الأنبياء عليهم السلام أُمِروا بالصبر، كما أُمِرَ به كُلُّ أحدٍ من الناس.
ورفض فضيلته القول بأن "الصبر ضعف"، وقال: إن الصبر علامة القوة، بل هو القوة؛ لأنه القوة مع النفس، وهذا ليس ضعفًا، كما أنّ الشجاعة هي القوة مع الآخرين..وكذلك القوة مع النفس قد تكون شجاعةً ، لذلك أقول: علينا ألّا نَفْهَمَ الصبرَ خطأ؛ فالصبر قوة. ولست أعني الصبر الانسحابي السلبي، وإنما الصبر الإيجابي الذي يجعل الإنسان قادراً على ضبط أعصابه واتزان تفكيره.
.
النجاح على قدر الصبر
وأوضح فضيلته، أن الصبر أفضلُ طريقةٍ للحصول على ما نريد، وهذه من الحِكَمِ المجربة.. وكثير من الأحيان نكون من النجاح على ضَرْبَةِ معول، ولكنّ فُقْدَانَنَا للصبر يَحْرِمُنَا من هذا النجاح، وفي النهاية لو أردنا أن نختصر وقلنا الكلمة التي يمكن أن نقولها لكل أحد ويحتاجها كل أحد الملوك، الكبار، الصغار، الرجل، المرأة، أهل الدنيا، أهل الآخرة، المؤمن، وغير المؤمن، لكانت هذه الكلمة هي"الصبر".. ولذلك أقول: عَلِّقْ سورة العصر، أو اقرأها، وعَلِّقْهَا في البيت، وفي السيارة، وفي كل مكان.
عرض الشيخ سلمان العودة لأهمية الصبر في تحمل مصاعب الحياة، وفي جولة مع المعاني الجميلة للصبر، فقال: إن الصبر ورَدَ في القرآن الكريم في أكثر من 90 موضعًا ، وبتصنيفات كثيرة جدا، واصفًا الصبر بأنه "سيد الأخلاق"؛ وأن القول بأن "الحلم سيد الأخلاق" صحيح ، ولكن الأصح منه أن الصبر هو سيد الأخلاق، لأن الحلم هو فرع من فروع الصبر، فالصبر في المعركة هو الشجاعة، وفي مواجهة شُحِّ النَّفْسِ هو الكرم، وإن كان في مواجهة الغضب فهو الحِلْمُ، ولذلك تجد الصبر ينبوعًا تَتَفَرَّعُ منه مياه كثيرة، وسواقي أكثر.
وعَدَّدَ فضيلته فضائل الصبر، وقال: إن الصبر ضروريٌّ للحياة الزوجية، كما أنه ضروري للعبادة {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}" وضروريٌّ أيضاً للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، كاشفًا عن درجة أعلى من الصبر، ألا وهي "المصابرة"، وقال عنها إنها: دَرَجَةٌ أعلى من الصبر، فالإنسان يصبر، ثم يستشعر نفاد الصبر، وهذه مشكلة كبيرة؛ لأن الصبر ضروري.
وفَسَّرَ فضيلة الشيخ هذه الآية بقوله: إن المرابطة شَيْءٌ فوق الصبر، تتطلب جرعةً قويةً من الصبر، مُشِيرًا إلى أن الآية تَطْلُبُ منا الصبر ابتداء، وليس لوجود حدث معين، ولكنه قال: بالطَّبْعِ إذا كان الصبر متعلقًا بحدث فهذا يتطلب صبرًا أكثر؛ لأن من قيم الصبر أنه يعطينا قَدْرًا كبيرًا من السُّمُوّ الروحي، بَيْنَمَا تجد الإنسان الذي فقد الصبر جازعًا، فإذا ما وقع الحدث تجد سؤاله: لماذا أنا بالذات؟! وهذا سؤال المحتج الذي لم يصبر.
وطالَبَ فضيلة الشيخ الإنسانَ بأن يسمو في روحه، ويتدرب في مدرسة الصبر، مُؤَكِّدًا أن الصبر ليس مرهونًا فقط بوجود حدث معين، ولكنه ضروريٌّ للحياة ، حتى مع النفس، فالعاصي يحتاج إلى صبر؛ لأنه يتوب ويعود، ويتوب ويعود.. فليس الصبر قاصرًا على الأشياء التي نريد أن نفعلها، وإنما يَشْمَلُ أيضًا الأشياء التي لم نتمكن من تحقيقها، أو الأشياء التي نُحَصِّلُها.
وأضاف فضيلته أنّ من تجارب الحياة أن الإنسان إذا حصل على شيء دون بذل جهد، كأن يحصل على سيارة أو كمبيوتر، فإن هذه الأشياء تفقد قِيمَتَها، وتصبح الحياة نفسها غير ذات قيمة، مشيرًا إلى أن هذا هو الواقع في الأُسَرِ التي تعاني من الثراء، ولِكُلِّ شيءٍ آفَةٌ.
الحياة مدرسة الصبر
وأضاف الشيخ سلمان العودة إن المعاني الجميلة التي يحملها مفهوم الصبر هي أن الإنسان الذي يكون بطبيعته صبورًا، تجده صبورا في الإقدام، وفي الإحجام، وفي الطاعة، وعن المعصية، وعلى ما يكون من قضاء الله وتقديره، مؤكدًا أن الدين هو الذي يُلْهِمُ الصبر، والحياة هي التجربة ا لتي تعلمنا الصبر.. واستشهد فضيلته بكتاب للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، عنوانه "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، وقال: إنه كتاب جميل يحمل الكثير من المعاني التي تُلْهِمُ الإنسان المتدين كيف يصبر، وتعلمه بأن الصبر مرضاة لله، وأن الله مع الصابرين، وأنه من أهم أسباب دخول الجنة؛ لأن الناس في الجنة على منازل صبرهم.
واعتبر فضيلته نجاح الإنسان في الحياة ثمرةً لشجرة اسمها الصبر، عارضًا كتابًا اسمه "قوة الصبر" للكاتبة الإسترالية إم جيه رايان ، قالت فيه: إن أحد الدلالات على الصبر، هو امتلاك النفس، وقدرة الإنسان على السيطرة على نفسه، مُؤَكِّدًا أن ذلك يتفق مع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: "ليس الشَّدِيدُ بالصُّرَعَة، وإنما الشَّدِيدُ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عند الغضب".
الصبر ليس استسلامًا
وحذّر فضيلة الشيخ أن يكون معنى الصبر عند البعض هو الاستسلام، قائلًا: هناك من يأخذ الصبر على أنه استسلام وقعود، فالصبور الذي يشعر أنه منهزم، ليس صابرًا، وإنما هو إنسان مستسلم، وليس أمامه خيارات أخرى، وهذا نَوْعٌ من الانهيار..
وأما إن كان لا يزال لديه بَقِيَّةٌ من إيمان بالله عز وجل، فتحمل، وتجلد عند المصيبة، وعلم أنها من أقدار الله، فهذا بلا شك نسيمه "صبرًا"، مُشَدِّدًا على أن الناس لو كانوا أكثرَ صبرًا، بالتأكيد لكانوا أكثر نجاحًا وقُدْرَةً على تحقيق الأهداف، وأكثر سعادة أيضًا.
الصبر والدُّعَاءُ
وأشار الشيخ سلمان حفظه الله إلى ما يعين على الصبر ، وتحويله إلى قوة فاعلة، وطاقة محركة، قائلًا: لابد للإنسان أن يُحْسِنَ الظن بالله، ويتعود على أن يكون صبورًا، وخير ما يُعِينُ هنا هو الدعاء، والله عز وجل يقول:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، ويقول أيضا: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}، لذلك كان حسن الظن بالله معينًا على الصبر، وأرشد الشيخ المسلمين إلى كثرة التسبيح؛ لأن التسبيح يزيد الإنسان صبرًا على البلاء.
وأكد فضيلته أن الغضب والتوتر النفسي يُؤَثِّران على الإنسان، حتى إن العلماء قالوا: إن الإنسان الغضوب عُرْضَةٌ للإصابة بالسرطان بنسبة واحد ونصف عن الإنسان العادي، وعُرْضَةٌ للإصابة بأمراض القلب بنسبة أربعة أضعاف.. مشيرًا إلى أن من يريد أن يعيش مستمتعًا بعمره فعليه أن يتَعَلَّمَ التصبر.
الانتحار في العالم العربي
أن نسبة الانتحار في المنطقة العربية أربعة أفراد لكل 100 ألف، بعد أن كانت اثنين فقط قبل ستة عشر عاما، أي أن النسبة تضاعفت.
الانتحار وأشجار الأمل
ويعلق فضيلة الدكتور سلمان على التقرير قائلًا: إن زيادة نِسَبِ الانتحار تُعَدُّ ظاهرةً عالميَّةً دون شك، لكنها مُسْتَغْرَبَةٌ في الأجواء الإسلامية، بسبب موقف الإسلام الصارم في موضوع الانتحار، مُسْتَشْهِدًا بقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا}، وأيضًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قتل نفسه بحديدةٍ، فحديدته في يده يتوجَّأُ بها في نار جهنم، ومَنْ قتل نفسه بِسَمٍّ، فَسَمُّهُ في يده يتحَسَّاهُ في نار جهنم"، وفي الحديث القدسي- وهو في صحيح البخاري أيضاً-: "عبدي بادَرَنِي بنفسه، حَرَّمْتُ عليه الجَنَّة".
وأوضح فضيلته بأن الانتحار ليس كفرًا، وإنما هو معصية، وذنب كالقتل إن لم يكن أعظم، موضحًا: أنّ الْمُنْتَحِرَ ليس كافرًا ما دام عنده أصل الإيمان، ولكنه مُرْتَكِبٌ لجريمة نكراء عظمى، طالما أنه انتحر بطوعه واختياره، والذي يبدو لي أن الانتحار مرتبطٌ بحالات اليأس، وشعور الإنسان بأن الآفاق مسدودة، ولذلك يفتح الصبر للإنسان آفَاقًا، ويجعله مدركا أن الحياة لم تنتهِ بعد، وأنّ القادم أفضل، فكلما استطعنا أن نغرس أشجارَ الأمل في نفوس الناس، ونزيل عنهم حالات الإحباط واليأس والقنوط، كان ذلك أَفْضَل.
وأعرب فضيلة الشيخ عن اعتقاده بأن من زيادة أسباب الانتحار هي القهر، وقال: إن أغلب المنتحرين يكونون من الذين يعيشون في جو خانق مقهور، مشيرًا إلى أن دوافع الانتحار عند البنت أكثرُ، بسبب حالة القهر داخل الأسرة، فليست كل البيوت مثالية وجميلة، بل توجد أحيانا صُوَرٌ قاتمة جِدًّا، كحالات التحرش والاعتداء ، أو أن يكون والدها مدمن مخدرات.
إلا أنّه عاد وأكّد أن هناك حالات كثيرة تكون المرأة أصبر من الرجل، فأن تحمل المرأة طِفْلًا تسعة أشهر في بطنها، فهذا صبر حديدي لا يطيقه الرجال، وأيضا صبرها على مولودها، وعلى سهره، وإزعاجه، وعلى خدمته، بينما يبدل الرجل غرفته لو حصل إزعاج من طفل، وكُلُّ ذلك يجعل المرأة دائمًا أَصْبَرَ من الرجل الذي يتميز عليها في الأمور التي تتعلق به كرجل.
وأكد فضيلته على أهمية أن يكون الإنسان مالكًا إرادة التغيير، وآلة التغيير، وعنده رؤية واضحة جدًّا بأن الوضع الذي هو فيه غَيْرُ مناسب، وضرب مثالًا بامرأة تعيش مع رجل يُذِلُّها ويسيء إليها، وهي في سعة من أمرها، فهنا ليس مطلوبًا منها بالضرورة الصبر، وأكد أن مثل هذه المرأة من الممكن لها أن تخلع هذا الرجل، وتُغَيِّرَ نمط حياتها، مشيرًا إلى أن هذا العمل يتطلب صبراً؛ لأن الأمر لن يكون قرارًا يتخذه الإنسان وينتهي كل شيء، فهناك حاجَةٌ إلى الصبر في مواجهة هذه القضية.
وأوضح فضيلته أن من الظلم أن أقول للمرأة: لا تصبري، خاصةً أن القرآن الكريم ذكر في أكثر من موضع {واصْبِرْ}، مُشِيرًا إلى أن الأنبياء عليهم السلام أُمِروا بالصبر، كما أُمِرَ به كُلُّ أحدٍ من الناس.
ورفض فضيلته القول بأن "الصبر ضعف"، وقال: إن الصبر علامة القوة، بل هو القوة؛ لأنه القوة مع النفس، وهذا ليس ضعفًا، كما أنّ الشجاعة هي القوة مع الآخرين..وكذلك القوة مع النفس قد تكون شجاعةً ، لذلك أقول: علينا ألّا نَفْهَمَ الصبرَ خطأ؛ فالصبر قوة. ولست أعني الصبر الانسحابي السلبي، وإنما الصبر الإيجابي الذي يجعل الإنسان قادراً على ضبط أعصابه واتزان تفكيره.
.
النجاح على قدر الصبر
وأوضح فضيلته، أن الصبر أفضلُ طريقةٍ للحصول على ما نريد، وهذه من الحِكَمِ المجربة.. وكثير من الأحيان نكون من النجاح على ضَرْبَةِ معول، ولكنّ فُقْدَانَنَا للصبر يَحْرِمُنَا من هذا النجاح، وفي النهاية لو أردنا أن نختصر وقلنا الكلمة التي يمكن أن نقولها لكل أحد ويحتاجها كل أحد الملوك، الكبار، الصغار، الرجل، المرأة، أهل الدنيا، أهل الآخرة، المؤمن، وغير المؤمن، لكانت هذه الكلمة هي"الصبر".. ولذلك أقول: عَلِّقْ سورة العصر، أو اقرأها، وعَلِّقْهَا في البيت، وفي السيارة، وفي كل مكان.